1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الروائي كمال بن حميدة: القذافي سرق الذاكرة الليبية

٧ أكتوبر ٢٠١١

ينقلنا الأديب الليبي كمال بن حميدة في روايته "سبع نساء من طرابلس" إلى غرائب العلاقات الاجتماعية في المجتمع الليبي، والظلم الذي تعانيه المرأة فيه. وبمناسبة صدور الترجمة الألمانية لروايته تحدثت دويتشه فيله مع الشاعر.

https://p.dw.com/p/12lfG
الروائي الليبي كمال بن حميدةصورة من: Kamal Ben Hameda

دويتشه فيله: صدرت مؤخرا الترجمة الألمانية لروايتك "سبع نساء من طرابلس" التي ألفتها بالفرنسية. ما هي اللحظة التي قررت فيها أن تمسك بالقلم وتبدأ بكتابة هذه الرواية؟

كمال بن حميدة: في حقيقة الأمر هي محاولة لكتابة التاريخ بطريقة أخرى، هناك التاريخ الرسمي وهناك تاريخ آخر لا يمكن أن يتجسد إلا من خلال العملية الإبداعية، فالرواية أو الشعر هي طريقة أخرى لرسم ملامح فترة لتاريخ سرق من الناس.

لماذا اخترت النساء بالذات ليشكلن النوافذ التي نطل منها على مختلف ظواهر المجتمع الليبي ؟

لأن في أي مجتمع هناك ظلم، والمرأة هي التي تمثل، كما يبدو لي، تلك القوة المكبوتة، هي تلك الطاقة التي هدمت. ما أريد قوله هو أن النساء كن في المجتمع الليبي المجموعة المضطهدة، المجموعة التي لا تملك الكلام، التي أعطي لها من خلال المنظورة الإسلامية والعربية القديمة دور مهمش. وما يهمني هو هذا الكلام الغائب. لأن الأدب يحاول دائما الكشف عن المسكوت عنه في أي ثقافة، فالثقافة لا تتمثل إلا من خلال إعطاء الدائرة المهمشة الكلام، الحضور في التاريخ.

من خلال الحكايات والأساطير التي ترويها شخصيات القصة نتعرف على العديد من الحالات الاجتماعية، فإلى أي مدى يوجد استمرارية لهذه الحالات في المجتمع الليبي الراهن؟

Buchcover Buch Sieben Frauen aus Tripolis Kamal Ben Hameda
الترجمة الألمانية لرواية "سبع نساء من طرابلس"

المشكلة في ليبيا هي أن المرأة ليس لها دور، والواقع الحقيقي هو أن غالبية النساء مهمشات. أغلبية النساء الليبيات لا يمكن أن يوجدن إلا من خلال قراءة الرجل لوجودهن. المرأة الليبية لا تمتلك كلامها، ليس لها حضور، لا في البيت، لا في الشارع، لا في المسجد، لا في أي مكان. زمانها غائب، ومكانيا غائبة وزمانيا غائبة، واجتماعيا غائبة.

في هذه الرواية يقابل الطفل باستمرار بالجفاف وقلة العاطفة وقلة الاهتمام، حتى رجال الحي الذين أتوا ليحتفلوا بختانه لم يلاحظوه. فهل ُتعتبر حالة هذا الطفل، الذي هو الراوي، انعكاسا لحالة منتشرة في المجتمع تترك آثارا عميقة في نفوس الأبناء حتى بعد أن يكبروا؟

في ثقافة المجتمع العربي، وفي المعاملة بين الناس، الفرد لا يوجد. هناك لغة المجموع. هناك لغة القبيلة. وتلك التي تخرج عن القافلة بفكرها وبمحاولة إعطاء مكان للانفرادية تصبح خليعة، وهذه كلمة موجودة في الفكر والثقافة العربية الإسلامية. الفرد لا يوجد، المرأة لا توجد، لماذا؟ هناك محاولة لامتلاك جسد المرأة، لأن المرأة تحمل على عاتقها مسؤولية وجود الرجل. الرجل يمتلك المرأة، لأنه من خلال امتلاكه لجسدها يوجد. وهي يجب أن لا توجد، لا جسديا، لا فكريا، لا جسميا، لا عقليا، لا اجتماعيا. إذا وجدت يعني تفردت. لهذا أٌقول ليس هناك حرية في العالم العربي الإسلامي بدون أن تتحرر المرأة، لأن حرية المرأة تعني الفردية، حضور الفرد في المجتمع.

كل الشخصيات الرجالية التي ترد في القصة سلبية وغائبة وبعضها سادي. فهل تعطينا هذه الشخصيات صورة عن الرجل التقليدي في المجتمع الليبي؟

الرجل الليبي يبدو لي كأغلب الرجال في المجتمع العربي والإسلامي وفي المجتمع الأوروبي و في أي مكان. هناك علاقة قوة. هناك علاقة وجود. هناك أنانية. الرجل يريد أن يكون، وحضوره لا يأتي ولا يتأتى في الثقافة العربية وفي الثقافة الليبية من خلال العملية الديمقراطية، من احترام وجود الآخر، لكن من خلال امتلاك الآخر. وجود الرجل الليبي لا يتأتى إلا من خلال نفي وجود الآخر، والآخر في هذه الحالة الكائن الضعيف في هذا المجتمع.

يلفت الأنظار الاسم الذي اخترته للراوي الطفل "هادا شنو"، فهل اخترت هذا الاسم كرمز لتساؤل الطفل المستمر، فعندما يظهر هذا الطفل في أي مكان يقول له من يراه "هادا شنو" اذهب أو اختفي أو ماذا تفعل هنا؟

حاولت عكس عملية غرائبية المجتمع العربي، غرائبية المجتمع الطرابلسي. الطفل "هادا شنو" دائما في لحظة شهادة واندهاش، لأنه لا يفهم ما يحدث، لأن ما يراه بطبيعته كطفل لا يتفق مع طبيعته الحقيقية كأي طفل. الطفل يجد نفسه في عالم غريب.

الرواية تبدأ بالبحث والتعجب، والنهاية تعود إلى نفس البداية في حلقة تتكرر في متاهة بحث، فأين يرى كمال بن حميدة الأسباب التي تجعل الإنسان يعيش في مثل هذه الحالة المتسائلة دائما دون أن تجد الجواب؟

الطفل يسأل، في المجتمع العربي الإسلامي هناك طرح لأجوبة، وهذا يعني أنه في العالم العربي الإسلامي نضع أجوبة لكل التساؤلات، الطفل يتساءل وهذا موقف مهم جدا، لأن العالم العربي الإسلامي يرى الدين كإجابة حقيقية، يطرح نفسه في موقع مركزي كممتلك للحقيقة، لحقيقة إلهية. الطفل يقول لا. الدين تساؤل، الآخر تساؤل، الوجود تساؤل. فهو يرى الدين ويرى النساء والرجال في المجتمع كفرضيات وكمواقع للتساؤل.

Bürgerkrieg in Libyen Erfolg der Rebellen Flash-Galerie
المرأة الليبية تساهم في الثورة وتنشد الخروج من التهميشصورة من: dapd

تتخذ الصفحات الأخيرة من الرواية طابعا شعريا يعبق بالخيال والأحلام وتترادف العبارات مثل: "الحياة هي وطن السكون والرؤية، الظلام يسود هذا العالم كما في الحلم". وأنت في الأصل شاعر، فهل يمكن القول إنك بعد بحث سردي حاولت اللجوء إلى الخيال الشعري، لأنك وجدت أنه لا مفر من دائرة الأحلام وأن الواقع غريب وصادم؟

لقد حاولت بهذه الطريقة أن أقول إن الإنسان الذي لا يمتلك لغته لا يسكن حلمه ولا يعيش الواقع. الإنسان العربي والليبي يقوم في غالب الأحيان بدور الببغاء، يردد لغة القبيلة. بهذه الطريقة أريد أن أشعر القارئ بطريقتي المتواضعة بأنه يمتلك لغته الخاصة، بأن الإنسان العربي والليبي تحت كل هذه التراكمات الرسمية والدينية والمتحجرة التي تحاول تفخيخ لغة المواطن، هذه يجب أن تمحى. وهذه دعوة للقارئ لأن يحاول من وراء اللغة الرسمية التي تقمع الفكر الإبداعي الذي يتفرد به، أن يحاول أن يترك للغته الخاصة التي يتفرد بها أن تعبر عن نفسها، أن تنتشر في الوجود.

كيف واكب الأديب كمال بن حميدة الثورة الليبية

حقيقة أنا هنا في هولندة أقرأ الجرائد، أنا عشت الثورة من الخارج. هناك في كلمة الثورة بالنسبة لي شيء غير حقيقي.

لماذا؟ كلمة الثورة تعبير عن انفجار، احتجاج، تغيير!

لأن الثورات في العالم في التاريخ دائما سرقت، والثورة الليبية تسرق حاليا. عندما أتى القذافي محا من الوجود كل إمكانية نقدية وفكرية مستقلة للواقع الليبي. في ليبيا كان هناك القذافي ومنظومته الفكرية والقرآن والإسلاميون والفكر الإسلامي كواقع تاريخي متجذر. ففي هذا الفضاء، في هذا الفراغ الكبير الذي خلقه القذافي بالقمع والاضطهاد والنفي أزال في المشهد الليبي كل إمكانية فكرية وانتقادية ومستقلة، فأتت الثورة، أو ما يسمى بالثورة بمولود مجهض، شبه ميت. فالثورة هي تغيير كامل للبنى التحتية والبنى الفوقية. الثورة الحقيقية هي ثورة الشعب، الشعب ثار، الشعب انتفض، وخرج في الشوارع ، لكن المشكلة أن هذه الثورة التحتية، لم يكن لها هوية، لم تكن منسقة، الناس خرجت في الشوارع بدون هوية حقيقية، بدون قادة، بدون طلائع، بدون بنية حقيقية واقعية.

ما هي مشاريعك الأدبية الجديدة؟

القذافي سرق الذاكرة الليبية، سرق الحلم الليبي، سرق الطفولة، سرق الحياة ، سرق التاريخ. لدي مشروع أدبي هو كتابة التاريخ الليبي الذي سرق مني بطريقة أخرى. حاليا أكتب رواية أخرى. مشروعي هو أن أتكلم عن الإنسان الليبي العادي الذي نفي في وطنه وأعطيه حضورا وأجسد روحانيته. وكل الشخصيات التي أتكلم عنها هم الناس البسطاء، ذلكم الذين يصنعون التاريخ. أحاول كتابة التاريخ الليبي من خلال الرؤية الأدبية، لأعطي بعدا آخر للهوية الليبية.

للاستماع إلى المقابلة كاملة يمكنكم الضغط على الرابط الصوتي

أجرت الحوار: منى صالح

مراجعة: أحمد حسو

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد