1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الأسلحة البلاستيكية: ظاهرة تقضي على "براءة" أطفال العراق

١٣ سبتمبر ٢٠١١

موجة العنف التي تعصف بالعراق منذ سنوات وما يرافقها من صراعات وعمليات انتقام، أدت إلى رواج شراء الأسلحة البلاستيكية بين الأطفال. وانعكس هذا العنف على تصرفاتهم وسلوكهم، حتى تحولت ألعابهم من مسلية إلى خطر يهددهم.

https://p.dw.com/p/12XPr
صورة من: DW

"نفذت الذخيرة"، "احمي ظهري"، "المنطقة آمنة": مصطلحات عسكرية تتردد غالباً في أفلام الجريمة وعمليات الاقتحام العسكرية، باتت تُسمع من أطفال يلعبون في الأزقة الضيقة لمدينة الصدر في بغداد.

وكثيراً ما تُسمع هذه الصرخات أيام العيد بشكل خاص، حيث تتحول الأزقة إلى ساحة لتقليد الاشتباكات المسلحة، التي ما برحت تشهدها المدينة، والتي كان أوجها عام 2004. فلا شيء يعلو على صراخ الأطفال المتحاربين، الذين ينقسمون في لعبتهم عادة إلى فريقين، يتقدم كل منهما قائد ومساعده.

وقد شهدت الأسواق العراقية بعد عام 2003 دخول الكثير من الأسلحة البلاستيكية المستوردة التي تختلف وتتنوع أحجامها وأشكالها وطرق استخدامها، والتي تشبه إلى حد كبير الأسلحة المستخدمة من القوات الأمنية. وتعمل هذه الرشاشات البلاستيكية بعد أن يتم حشو مخزنها بكرات بلاستيكية صلبة وصغيرة الحجم، حيث تبدأ برميها بمجرد سحب نابض الإرجاع. ويمكن لهذه الأسلحة البلاستيكية أن تطلق الكرات لمسافة ستة أمتار تقريباً، مما يجعل لها القدرة على إصابة العين بشكل دقيق.

انتحال شخصية الأبطال

Irak: Kinder spielen mit Waffen FLASH-GALERIE
يكثر في الأعياد إقبال الأطفال على شراء ألعاب الأسلحة البلاستيكية، لذلك باتت هذه المناسبات مصدر قلق لأهالي الأطفال.صورة من: DW

"أشعر بفرح غامر عندما ألعب مع أصدقائي بهذه الأسلحة"، يقول الطفل عباس جواد الذي يعزو سبب شرائه الأسلحة البلاستيكية للمشاركة في لعبة "الشرطة والعصابات" كما أسماها. ويفضل عباس أن ينتحل شخصية بطل إحدى مسلسلات الجريمة التركية.

وبينما يختبأ عباس (12 عاماً) خلف ناصية زقاق في مدينة الصدر لنصب "فخ" لعدوه وهو يحمل بندقيته الصينية المنشأ، والتي حشا مخزنها بالكرات البلاستيكية، يضيف قائلا:ً "من السهل أن أشتري كل ما أريد من أنواع الأسلحة في العيد خاصة بعد حصولي على مبلغ العيدية من أهلي وأقاربي".

لذلك تزداد مخاوف ليلى ستار جبار، وهي أم لطفلين من مدينة الحرية ببغداد، مع قدوم العيد، وتقول في حوار مع دويتشه فيله: "غدت هذه الألعاب مصدر تهديد يتلف أعين الكثير من الأطفال عند الإصابة بما تقذفه من كرات صلبة تتسبب في أذى عجيب وأحياناً تقود إلى مشاكل اجتماعية في تلك المناسبة"، لأنها تقود إلى خلافات بين ذوي الأطفال.

وبينما تمسك ليلى (37 عاماً) بابنها الصغير الذي يرغب باللعب خارج المنزل تضيف: "أنا قلقة جداً من أن يلهو طفلي أيام العيد في الشارع الذي يغص بالأطفال المدججين بالأسلحة البلاستيكية والذين لا يتهاونون في إطلاق الكرات الصلبة باتجاه أي شخص".

وتنوه ليلى إلى ضرورة تدخل الجهات المعنية لوضع الضوابط اللازمة لاستيراد مثل هذه الأسلحة، داعية في الوقت ذاته إلى الاهتمام ببناء المرافق الترفيهية من الحدائق والمتنزهات وفتح الدورات التعليمية والرياضية لـ"تغني الأطفال عن اللهو بهذه الألعاب الخطرة"، على حد قولها.

نماذج تشبه مثيلتها الحقيقية

Irak: Kinder spielen mit Waffen FLASH-GALERIE
بعض هذه الألعاب قادر على إطلاق كرات لمسافة ستة أمتار، وهي قادرة أيضا على إصابة العين بجراح بالغةصورة من: DW

حميد فزع الدراجي، صاحب محل لبيع لعب الأطفال في بغداد، يبين سبب إقدام الأطفال في أيام العيد على شراء الأسلحة البلاستيكية بدل الألعاب الأخرى: "رخص أسعارها وتنوع أشكلها وألوانها المغرية بالإضافة إلى طريقة استخدامها التي تشبه مثيلتها الحقيقية التي تستخدمها القوات العراقية أو الأميركية".

ويضيف الدراجي (26عاماً) وهو منشغل بترتيب بضاعته على رفوف محله الذي امتلأ بأنواع مختلفة من ألعاب الأسلحة والألعاب النارية المستوردة، بأنه يبيع من 5-8 قطع من الأسلحة البلاستيكية في الأيام الاعتيادية، أما في العيد فـ"يزداد الطلب على شراء هذه الألعاب إلى أضعاف". وعن أنواع هذه الأسلحة يقول الدراجي إن هناك أنواعاً مختلفة منها كالمسدسات الكاتم والكلاشنكوف وقاذفات القنابل وبنادق أم بي سفن وأم بي فايف وجي سي وغيرها من الأنواع الأخرى التي تتراوح أسعارها مابين 5000 إلى 8000 دينار عراقي (4-7 دولارات أميركية).

كثرة الإصابات

من جانبه كشف المعاون الإداري لمستشفى ابن الهيثم المختص بمعالجة العيون في بغداد حسين حمود إبراهيم، عن أن المستشفى استقبل خلال أيام العيد الماضي فقط أكثر من 40 طفلاً بإصابات في العين نتيجة اللعب بالأسلحة البلاستيكية. ويقول إبراهيم إن إصابة العين بهذه الكرات الصلبة غالباً ما "يتسبب بإصابات بليغة مثل تلف الشبكية والقزحية أو فقدان البصر في أغلب الأحيان".

ويضيف إبراهيم في حوار مع دويتشه فيله إلى أن "غالبية الذين تعرضوا لمثل هذه الإصابات تتراوح أعمارهم ما بين الــ 7 - 14 عاماً". لكن المسؤول الطبي العراقي يشير إلى انخفاض نسبة هذه الإصابات مقارنة بالأعوام الماضية حين سجلت أعلى معدلاتها، ويعزو هذا التراجع إلى "حملات التوعية التي تقوم بها وزارة الصحة العراقية ووسائل الإعلام وحث الأهالي على منع أطفالهم من شراء هذه الألعاب".

عسكرة المجتمع سبب في تنامي الظاهرة

Irak: Kinder spielen mit Waffen FLASH-GALERIE
العنف وعسكرة المجتمع العراقي سببا في رغبة الصغار بتقليد الكبارصورة من: DW

ويفسر الدكتور عبد الكريم خلف جعو، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة المستنصرية ببغداد، سبب ميول الأطفال إلى تفضيل اللهو بالألعاب العنيفة إلى جملة من أسباب: "أبرزها اهتمام الأنظمة السياسية التي حكمت العراق بتطوير ترسانتها العسكرية وقواتها الأمنية بدلاً من تنمية قدرات الطفل البدنية والفكرية". كما أن أعمال العنف التي شهدها العراق بعد عام 2003 وغيرها من العوامل أثرت على تبني الأطفال "لغة العنف" والتي ظهرت نتائجها من خلال سلوكهم الميال إلى التصرفات العدائية، على حد تعبيره.

ويحذر جعو في حوار مع دويتشه فيله من خطر تفشي استخدام الأطفال للأسلحة البلاستيكية كونها تعزز ثقافة العنف وتؤدي إلى مضار صحية واجتماعية، حتى باتت أشبه بـ"القنبلة الموقوتة" التي تهدد المجتمع بالانهيار كونها تجاوزت "حدود البراءة في عالم الطفولة". ويدعو أستاذ علم الاجتماع إلى ضرورة تدخل الدولة بكل ثقلها "لإنقاذ الطفولة من جشع التجار الذين لا يبالون في استيراد هذه الأسلحة التي تهدد مستقبل البلد برمته".

يُذكر أن مجلس محافظة بغداد كان قد أصدر في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي قراراً يقضي بمنع استيراد أو بيع ألعاب الأطفال من الأسلحة البلاستيكية التي تقذف الكرات الصلبة، إلا أن القرار لم يبصر النور على أرض الواقع وبقي حبراً على ورق.

ولا يقتصر الأمر على هذه الرشاشات البلاستيكية المتنوعة الأشكال والأحجام، فهناك (المفرقعات) والصواريخ النارية التي يتم استخدامها بشكل مفرط أيام الأعياد وعند فوز المنتخب الوطني لكرة القدم والمناسبات الأخرى. وكانت ألعاب الأطفال القديمة تتمثل بالقفز على الحبل والمكعبات وألعاب القطارات والسيارات البلاستيكية هي السائدة، والتي يرى المختصون أنها تطور القدرات الذهنية وتساهم في تحقيق الذات وتنمي حب الآخرين وروح المنافسة.

مناف الساعدي/ بغداد

مراجعة: عبد الرحمن عثمان

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد