1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

المستشفيات البغدادية كانت مثالاً للتسامح والإبداع أيام الدولة العباسية

٥ فبراير ٢٠٠٧

لم تكن مستشفيات بغداد في العصر العباسي مكاناً للعلاج فقط، بل مثالاً للتسامح والإبداع، الباحث الألماني بيتر إ بورمان يكشف في مقابلة مع موقعنا عن صورة مشرقة للمدينة آنذاك تناقض واقعها المأساوي هذه الأيام.

https://p.dw.com/p/9mKh
عاصمة الحضارة الإسلامية قديما هي جرح العالم الإسلامي اليومصورة من: AP

بمناسبة صدور كتاب جديد باللغة الإنجليزية عن الطب الإسلامي التقى موقع دويتشه فيله أحد مؤلفَيه الباحث والمحاضر الألماني د. بيتر إ. بورمان من جامعة واريك في المملكة المتحدة. ويحمل الكتاب الذي شارك في تأليفه الأستاذة الجامعية د. إميلي سافاج-سميث: "الطب الإسلامي في القرون الوسطى Medieval Islamic Medicine".

كشف بورمان في المقابلة عن خبايا حقبة من التاريخ يصعب على المرء تخليها عندما ينظر إلى واقع العراق هذه الأيام. كما كشف عن دور التنوع العرقي والطائفي في ازدهار العالم الإسلامي عموما وبغداد على وجه التحديد كونه شكل حجر الأساس لهذا الازدهار. وفي هذا السياق ذكر بأن أطباء مسيحيين ويهود وغيرهم عملوا في المستشفيات البغدادية إلى جانب الأطباء المسلمين من العرب. وقد انطبق التنوع على المرضى الذي خضعوا للمعالجة بغض النظر عن معتقداتهم وأوضاعهم الاقتصادية. كما كانوا يحصلون على هبة من بيت المال لشراء الأدوية الضرورية التي تعينهم على الشفاء. وكانت المستشفيات في بغداد ودمشق والقاهرة كبيرة نسبيا، إذ وصل عدد الأطباء في بعضها إلى ما يقارب 28 طبيباً وفقاً لما ذكره بورمان.

المرأة نافست الرجل في مهنة الطب

Medieval Islamic Medicine, Inhalt
احد المخطوطات التي في الكتاب وهي مخطوطة من القرن الثالث عشر وتنحدر من مقامات الحريري. اخذت من معهد العلوم الشرقية في سانت بيتسبورغ.صورة من: Institut für Orientalische Studien, St Petersburg

ولم يكن العلاج عند الأطباء وفي المستشفيات مقتصرا على الرجال، إذ تحدثنا المصادر عن وجود طبيبات وصلن إلى الشهرة. وهناك الكثير من النصوص التي تتحدث عن هذه النقطة مشيرة إلى أن قسماً لا بأس به من الذكور لم يكن يجد حرجاً في العلاج عند النساء. وفي هذا الصدد يقول بورمان بأنهن لعبن دوراً هاماً في العلاج الطبي لدرجة أن عددا لا بأس به من أطباء النخبة اشتكوا من منافستهن القوية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن دور المصادر لم تركز على هذا الدور كما ينبغي كونها كُتبت من قبل الرجال.

العلم فوق الأديان

وإلى جانب معالجة المرضى تميزت مستشفيات بغداد بكونها مكانا لتدريس الطب والقيام بالبحوث العلمية. وقد عمل فيها أطباء الخلفاء، مما يعني أن أطباء النخبة عالجوا الفقراء والعامة. وبالرغم من أن أغلب المستشفيات كانت أوقافا إسلامية فإنها تميزت بطابعها العلماني، ويعيد بورمان هذا إلى أن "جذور الطب الإسلامي وعلوم أخرى تعود إلى الحضارة اليونانية وغيرها من الحضارات التي لا تحمل طابعاً دينياً.

ولم يقتصر دور الأطباء في العصر العباسي على ترجمة المؤلفات الطبية، بل أبدعوا في شتى مجالات البحث والعلاج. وعلى سبيل المثال قام الطبيب حنين ابن إسحق بترجمة كم كبير من الكتب الطبية اليونانية، إضافة إلى تأليف العديد منها. ومن أشهر كتبه تلك التي ألفها في مجال طب العيون. كما كان هناك كتب وبحوث ترصُد الأمراض ذات الأعراض المتشابهة كالجدري والحصبة وتميز بينها، إضافة إلى إتباع طرق جديدة للبحث العلمي لم تكن متداولة من قَبْلُ.

طرق متعددة لدراسة الطب

Medieval Islamic Medicine, Buchcover
غلاف كتاب الطب الإسلامي في العصور الوسطى

وفيما يتعلق بسبل الوصول إلى مهنة الطب يخبرنا بورمان عن عدة طرق بينها التأهيل الذاتي حيث كان يقوم الشخص المعني بتعليم نفسه واكتساب الخبرة تدريجيا إلى أن يصبح طبيباً. وفي هذا السياق تتحدث المصادر عن الطبيب ابن رضوان الذي لم يستطع تحمل نفقات الدراسة. وتفيد بعض المصادر بأن ابن سينا انتهى من دراسة الطب بنفسه في سن السادسة عشرة. ومن أساليب التأهيل الأخرى التي كانت شائعة التتلْمُذ على يد طبيب أو في إطار العائلة. ومن العائلات المعروفة التي كانت تقوم بتدريس الطب عائلة ابن زُهر في الأندلس والبُخْتِيشُوع في العراق. إضافة إلى ذلك كانت دراسة الطب كذلك تتم في مجالس خاصة أو في المستشفيات التي لعبت دورا رئيسيا على هذا الصعيد ابتداء من القرن العاشر الميلادي.

وفيما يتعلق بالعلوم التي كان على الأطباء إجادتها يقول بورمان إن ذلك اختلف باختلاف المصادر. وفي هذا السياق تتحدث بعض الكتب عن شرط الإلمام بأدب الطب اليوناني وعلى وجه الأخص بكتب سقراط وجالينوس، إضافة إلى أعمال أطباء مسلمين كالرازي. غير أنه من الصعب معرفة مدى التقيد بهذه الشروط. غير أن بعض المصادر تتحدث عن أشخاص أطلق عليهم منصب رئيس الأطباء. ويبدو أن أحد اختصاصاتهم تمثلت أحياناً في اختبار مقدرة زملائهم من خلال امتحانات خضعوا لها. ونقرأ عن أحد الوزراء طلبه من الطبيب سنان ابن ثابت امتحان أطباء بغداد بعد ملاحظته تردي أوضاع المعالجة الطبية فيها.

ابتسام عازم

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد