1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

القوة الاقتصادية الخفية للمرأة المصرية

سمر كرم ٢١ فبراير ٢٠٠٦

عمل المرأة الذي يعد رفاهية في بعض الأوساط، يعد أمراً لا غنى عنه في الأوساط البسيطة في مصر. فالكثير من العائلات يعتمد بشكل أساسي على الأعمال البسيطة التي تقوم بها النساء حتى في وجود رب الأسرة

https://p.dw.com/p/80yx
مريم تنظر إلى تحسين مستواها الاجتماعي من خلال عملها

قطاع عريض من النساء المجهولات في مصر يعملن في صمت ويعلن أسر كثيرة، يعتمد الرجل فيها على المرأة: الخدمة في المنازل، تربية الأطفال، البيع في الأسواق، وغيرها من الأعمال المعتمدة بشكل أساسي على النساء. وفي الوقت الذي تناقش فيه المرأة المثقفة حقها في العمل وينادي البعض بعودة المرأة الموظفة إلى منازلها، نجد هذه القضية محسومة بالنسبة للقطاع الأوسع من المجتمع: ففي الطبقات البسيطة يعتبر عمل المرأة أمراً حتمياً تعتمد عليه الأسرة. سواء تعلق الأمر بالنساء اللواتي ولدن في القاهرة أو جئن من الريف إلى العاصمة، أو تعلق بالنساء اللواتي يعشن في القرى الريفية المختلفة. معظم النساء في الأوساط الفقيرة يعملن أحياناً لتعين الزوج على مصاريف الأسرة وغالباً لتصرف هي على المنزل، لأن مكسبها غالباً يكون أكثر من مكسب الرجال. نسبة هذه النساء كبيرة جداً وإن كان الاهتمام بهن يكاد يكون منعدم من قبل الدولة أو من قبل المؤسسات غير الحكومية.

"لا أريد أن يعاني أبنائي كما عانيت"

Frauen in (Beni Ebeid) Menya in Ägypten
منى سعيدة باستقلالها الاقتصادي

زينب إحدى هذه النساء وهي امرأة في منتصف الأربعينيات وتعودت على العمل منذ أن كانت في السادسة من عمرها. الطفلة كانت تعمل لتساعد والدها على تحمل نفقات الحياة، وبالطبع لم يحالفها الحظ في التعليم، إذ أنها منذ ذلك الحين تعمل يومياً. كبرت الشابة وتزوجت من رجل يكبرها في السن كثيراً ومتزوج من أخرى وتقول ببساطة وتلقائية: "لكن أنا الصغيرة". والزوجتان هما اللتان تصرفان على المنزل. زينب أنجبت 6 أولاد وفتاتين وحرصت على أن تعليمهم وعلى ألا تجعلهم يعملون في صغرهم. وتقول الأم: "لم أجعل أي من أبنائي يعمل، وكثيراً ما يسألني زوجي لماذا ويريد هو إرسالهم للعمل مثل بقية الأسر ولكنني أرفض". وعادة ما يرسل الأهل من الطبقات البسيطة أبناءهم للعمل في محل نجارة أو محل تصليح سيارات، بينما يرسلون الفتيات للخدمة في المنازل. أما هي فرفضت تماماً هذا الأمر قائلة: "لا أريد أن يعاني أبنائي مثلما عانيت، ولن أقبل أن يفقدوا صحتهم قبل الأوان مثلما حدث معي. مادمت حية فسأفعل ما بوسعي لكي أوفر لهم مستوى أفضل من المستوى الذي عشت فيه". وقد تمكنت بالفعل من إيصال بعض أبنائها إلى بر الأمان، فالابن الأكبر محمد تخرج من كلية الزراعة، وتزوج بعد أن ساعدته الأم التي تعمل في صمت: "بالطبع ساعدته، إذ أن والده أحيل على التقاعد، وحتى معاشه لا يكفي أي شيء، وبدون عملي لم يكن من الممكن أن نعيش في هذا المستوى". بقية الأبناء أيضاً في طريق الدراسة وإن كانت البنتان حرمتا من التعليم بعد أن قضتا مدة قصيرة في المدارس، لأن الأب متشدد ولا يقبل تعليم البنات، والأم تشكو من هذا الأمر: "حاولت معه كثيراً، حاولت حتى أن أدخلهما محو الأمية، لكنه لم يقبل".

عمل دءوب من أجل تحسين المستوى الاجتماعي

Frauen in Fayoum in Ägypten
مريم تنظر إلى تحسين مستواها الاجتماعي من خلال عملها

وليست زينب الوحيدة التي تعاني من تسلط زوجها، فحال فاطمة أصعب. فالسيدة تعمل أيضاً في الخدمة في المنازل منذ نعومة أظافرها. وفاطمة وإن كانت هي التي تصرف على البيت، إلا أنه ليس لها أي سلطة بداخله. زوجها لا يعمل، ويعيش مما تكسبه زوجته، ولكنه لا يكتفي بزوجة واحدة، ففي كل مرة يتزوج من غيرها. ثم يعود إليها بعد أن يحتاج إلى تمويل، وهلم جرا. وفاطمة ترضى بالأمر قائلة: "كل شيء نصيب". فاطمة أيضا ً هي المكلفة بالعمل وتمويل أسرتها. وإن كانت فاطمة وزينب قد نشأن في الريف ولم يسعدهما الحظ بالتعلم، إلا أن عزة قد نشأت بالقاهرة وتعلمت فيها. عزة تعمل منذ أن كانت في السادسة عشر وأرادت منذ ذلك الحين أن تحسن من وضعها الاجتماعي، وإن كانت نشأت في أسرة ميسورة. لكنها كانت تجد احتياجات الأسرة كثيرة، وكانت هي أكبر أخواتها، فرأته أمراً طبيعياً أن تعمل لتلبي احتياجاتها الشخصية ولتساعد أباها وتحقق أمنيات إخوتها. وما كانت تقوم به مع أهلها، مازالت تقوم به مع زوجها وأبنائها: "زوجي يعمل في محل أحذية، ويكسب جيدا ً والحمد لله، ولكن مكسبي يساعد أيضاً، وبدون عملي لن نتمكن من العيش في مستوى جيد". وعزة تعمل في أعمال التجميل للنساء. وتذهب إليهن في المنازل حتى تكون أوقات العمل لديها حرة، فهي أم لطفلين ولا تريد سواهما حتى تتمكن من تربيتهما بشكل لائق: "يوسف الكبير في المدرسة الآن، وقد أردت أن يدخل مدرسة أجنبية، ومريم عمرها شهران". عزة تعمل من أجل تحسين مستواها وتعمل أيضاً لتحقيق ذاتها: "لا أتخيل البقاء في المنزل. لقد تعودت على العمل، ثم أنني لا أتخيل أن يطلب أحد أبنائي شيء ولا أستطيع أن أحققه له لقلة المال. كذلك أريد أن أشعر بالاستقلال والقدرة على شراء ما أتمناه، ومرتب زوجي لن يكف أبداً لذلك"

المرأة العاملة في ريف مصر

Frauen in (Beni Ebeid) Menya in Ägypten
بتقنية بسيطة تعيل المرأة المصرية أسرتها

وإذا انتقلنا من القاهرة إلى الفيوم، فلن يختلف الأمر كثيراً. ففي قرية النازلة الصغيرة نجد حضانة ومشغل تعمل فيه عدد من النساء، وتقول مريم عن عملها "إنني أقوم بأعمال الأوبيسون وأكسب جيداً من هذا العمل وهو ما يساعدني على تحسين مستوى أسرتي وتحقيق ما يتمنون". مريم تقوم مع رفيقاتها بعمل المفارش والأطقم المختلفة وتشتريها منهم سيدة من القاهرة تعيد بيع المنتجات بطريقتها الخاصة. مريم سعيدة بعملها الذي يجعلها تتمكن من تعليم أبنائها وعدم إرسالهم للعمل. أما منى البالغة من العمر 18 سنة فهي تعيش في قرية صغيرة في صعيد مصر وهي قرية بني عبيد بالمنيا. منى تعمل أيضاً في مشغل، وتقول عن عملها: "أنا أشعر بسعادة بالغة منذ أن بدأت في العمل، فمن قبل لم يكن بإمكاني شراء أي شيء، أما الآن فقد بدأت أجهز لزواجي مما أكسبه، وأشتري أشياء كثيرة". وتفصل منى الملابس المختلفة والمتنوعة، ولأن السعر الذي تطلبه غير مبالغ فيه، فقد تمكنت منى من اكتساب الزبائن ومن تحقيق مكسب معقول يكفيها لتحلم بجعل مستقبلها ومستقبل أبنائها أفضل. وتسوق منى منتجاتها عبر دائرة معارفها، ولكنها تحلم بجعل مشروعها أكبر في يوم ما، وإن كانت لا تجد الطريق: "الجميع يعجبون بالملابس التي أفصلها ويجيء البعض لشرائها خصيصاً من القاهرة، وربما أستطيع أن أفتح محلاً فيما بعد، وإن كان الأمر صعباً بسبب العائلة." فالعائلة ترفض أن تختلط الفتاة بالمجتمع بشكل كبير في هذه القرية الصغيرة.

متى تحصل هؤلاء النساء على حقوقهن؟

Frauen in (Beni Ebeid) Menya in Ägypten
حلم الأمان الأسري يتجسد في أعمال الفتيات

ويبقى أمام هذه النساء مشكلتان أساسيتان، الأولى هي عدم إيجاد أية ضمانات لهن، فهن يعملن في أعمال "حرة"، ولكن غير مقننة. هذه الخادمة التي تعمل يومياً لمدة ساعات طويلة ولا تستريح وتلك المرأة المنحنية فوق ماكينة الحياكة منذ صغرها، وتلك التي تجلس في السوق لتبيع الخضروات والفاكهة طوال اليوم. أما المشكلة الثانية فهي تحكم الزوج أو الأهل، بالرغم من كونهم في معظم الأحيان غير مسئولين عن دخل الأسرة، فالمرأة تعمل اليوم كله، لتعطي الأموال في نهاية الأمر لزوجها الذي قد يتزوج من أخرى أو يصرفها على السجائر والنرجيلة أو يتحكم في بناته الصغار مانعاً إياهن من التعلم أو يجبرهن على الزواج. ومعظم هؤلاء النساء من غير المتعلمات ومعظمهن يجهلن حقوقهن. وإن كان المجلس القومي للمرأة والجمعيات النسائية المختلفة في مصر قد بدأت مؤخراً في الاهتمام بقضايا المرأة المعيلة ودراسة حالتها الاجتماعية وإقامة الأسواق المختلفة، ولكن الطريق مازال طويلاً قبل أن تحصل تلك النساء على حقوقهن.

ويبقى السؤال هل من حق هؤلاء النساء اللواتي يعملن سبعة أيام في الأسبوع أن يمرضن وإن مرضت إحداهن، فمن هو المسئول عن علاجها ومن يعول أسرتها؟

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد