1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

وداعاً مكة! السعودية كما رأيتها بعيون عمال وافدين

٢٢ نوفمبر ٢٠١٠

مندوب دويتشه فيله إلى مكة لتغطية موسم الحج يستعد لمغادرة السعودية بعد أداء مهمته الصحفية، لكنه وهو يجلس في صالة المطار يستعيد شريط الذكريات عن لقاءت عابرة مع سعوديين وعمال وافدين رسم من خلالها صورة عن السعودية من الداخل

https://p.dw.com/p/QFRF
على المخلافي (الأول من اليمين) مع شباب سعوديين من العاملين في لجنة تنظيم الحجصورة من: DW/Almakhlafi

وأنا اجلس في صالة الانتظار في مطار جده الدولي مع مئات الآلاف من الحجاج المرهقين بعد قضائهم مناسك الحج، أخذت استعرض ما حفظته في الذاكرة عن المملكة العربية السعودية خلال الأيام التي قضيتها في الديار المقدسة. قلت في نفسي حانت الآن لحظات الوداع! مع السلامة مكة! يا لها من فرصة هذه التي سنحت لي بزيارة الديار المقدسة. وهنا لا يفوتني أن أسجل شكري لكل القراء الأعزاء الذين رافقوني خلال رحلتي هذه وطرحوا عليَّ بعض الأسئلة، الأمر الذي أغنى يومياتي عن الحج وساعدني على أداء مهمتي على الوجه المطلوب، وأنا سعيد جدا بتفاعل القراء المسلمين وغير المسلمين مع ما تضمنته يومياتي.

حجاج بنظارات شمسية!

Alis Mekka Tagebuch
الحجاج الأغنياء ينزلون في فنادق والفقراء يستعجلون الرحيلصورة من: DW/Almakhlafi

بالمناسبة لا يعتزم جميع الحجاج مغادرة الأراضي السعودية بعد أداءهم مناسك الحج، فالكير منهم الذين تسمح لهم الظروف يعتزمون قضاء بعض الوقت للسياحة والترويح عن النفس. ويلحظ المرء ذلك من خلال الاشخاص الذين يتنزهون على الشواطئ الرملية لمدينة جدة على البحر الأحمر وهم يرتدون نظارات شمسية. كما أن الفنادق هنا مازالت تعج بالنزلاء. أما أنا فأجلس هنا في المطار مع الغالبية العظمي من الحجاج المستعدين للمغادرة. الازدحام شديد إلى حد أنه طلب منا الحضور إلى المطار قبل ست ساعات من الإقلاع.

سعوديون منفتحون

Alis Mekka Tagebuch
مدينة جدة ليلا، المدينة الساحلية تودع الحجاج والبعض يفضل البقاء لقضاء بعض الوقت للإستجمام على السواحل الرمليةصورة من: DW/Almakhlafi

قبل زيارتي للسعودية لم احتك قط بأي سعودي، كان لديَّ الكثير من الأحكام النمطية المسبقة التي يحملها الكثير من العرب عن السعوديين، لاسيما في بلدي الفقير؛ اليمن، حيث يُنظر إلى "الإخوة" في البلد الجار على أنهم أناس مترفين يتمتعون بالرفاهية ورغد العيش. وتبدو الصورة العامة عن السعودية بأنها بلد يقيم من جهة علاقات وثيقة مع الغرب ومن جهة أخرى يطبق تفسيرات متشددة للشريعة الإسلامية كعقوبات الإعدام والرجم والجلد.

لم يكن الوقت كافيا لكي أكون صورة حقيقية عن العربية السعودية، لكني سوف أتطرق هنا إلى بعض المواقف التي ربما قد تساعد على التفريق بين السعوديين كشعب وبين نظامهم السياسي. حقيقة لم يكن السعوديون الذين صادفتهم خلال هذه الأيام القلائل طيبين فحسب، بل وأيضا منفتحين. فمثلا الشباب العاملين في لجنة تنظيم الحج كانوا من المتعلمين ومعظمهم درس في الخارج، فهم يتحدثون على الأقل ثلاث لغات أجنبية. هؤلاء يتسمون بروح المرح والدعابة، لكنهم أيضا فخورين بكونهم مسلمين وبالتالي ينفعلون بحساسية عالية إذا ما تم الربط ولو بشكل غير مباشر بين الإسلام والتطرف أو بين الإسلام والإرهاب؛" نرفض ذلك بشكل مطلق"، كما يقولون. ويعرِّفون أنفسهم بأنهم "مسلمون متسامحون ومنفتحون تجاه الأخر بما في ذلك غير المسلمين". إحساسي الشخصي يقول إنهم فعلا جادون فيما يقولون ولا يقولون ذلك لمجرد الكلام أمامي كوني من طرف مؤسسة إعلامية غربية. لكن على الجانب الأخر هناك حقائق في السعودية يجهلها الرأي العام خارج المملكة إلى حد كبير مثل حظر الرموز المعبرة عن الديانة المسيحية وكذلك وضعية حقوق المرأة.

محمد الذي يتحدث الكورية

Alis Mekka Tagebuch
الشاب السعودي محمد الذي درس في كوريا يتحدث عن طيبة الكوريين ودماثة أخلاقهمصورة من: DW/Almakhlafi

من السعوديين القلائل الذين التقيتهم، محمد الذي يعمل في مكتب الاستعلامات الخاص بالحجيج. محمد شاب درس في كوريا الجنوبية لمدة خمس سنوات، اندمج ـ كما بدا لي ـ بشكل جيد في المجتمع الكوري وتعلم لغته التي يجيدها بطلاقة، وما زال الشاب السعودي يتحدث عن تلك السنوات وعن طيبة الكوريين ودماثة أخلاقهم وحبهم للأجانب.

الحديث مع محمد أعادني ولو للحظات إلى ألمانيا، حيث يحتدم النقاش حول عملية اندماج الأجانب. وهنا خطر على بالي السؤال التقليدي عما إذا كانت اللغة فعلا الوسيلة الأساسية للاندماج. أنا شخصيا بدأت اشك في ذلك على الأقل منذ أن التقيت بـ بيخيت، ذلك المواطن المصري الذي يعمل سباكاً في موسم الحج في خيمة فاخرة لأحد الأمراء السعوديين.

سباك الأمير ـ سعيد بعمله في السعودية

Alis Mekka Tagebuch
المصري بخيت، سباك الأمير لايقيم أي علاقات مع سعوديين!صورة من: DW/Almakhlafi

وبصرف النظر عن اللهجة المصرية التي يتحدث بها محمد فإنه بطبيعة الحال كمصري يجيد اللغة العربية مثله مثل الأمير السعودي الذي يعمل لديه ويزود خيمته الفاخرة بالماء. ورغم أن السباك المصري يعمل منذ ستة عشر عاما في السعودية إلا أنه ليس لديه صداقات مع سعوديين؛ "علاقاتي بالسعوديين تقتصر على العمل فقط"، يقول محمد ويضيف "اقضي وقت الفراغ في المساء مع أصدقاء مصريين في القهوة أو في متابعة كرة القدم". سألته مستغربا، لماذا لا يسعى إلى عقد صداقات مع السعوديين؟ فقال: " نحن المصريون لدينا على سبيل المثال عادات أكل خاصة بنا" ولم يزد على ذلك! لكنه فخور جدا بعمله كسباك لدى الأمير السعودي وممنون لرب العمل لأنه يسمح له بالعمل كذلك في غير أوقات الحج. بخيت، الذي يزور عائلته في مصر مرة واحدة في السنة، سعيد بعمله في السعودية لأنه يدر عليه دخلا ممتازا مقارنة بمصر، لكن الثمن لذلك هو أنه يتوجب عليه أن يسلم جواز سفره لرب العمل وفقا للقانون السعودي. هذه القواعد تعمق ـ من وجهة نظر منظمات حقوق الإنسان ـ التبعية لرب العمل. لكن بخيت يرى الأمر بشكل مختلف فـ"بهذه الطريقة على الأقل لن يضيع مني جواز سفري"!

نيبالي في فندق خمسة نجوم

Alis Mekka Tagebuch
بهادر، الشاب النيبالي سعيد بالعمل في فندق خمسة نجومصورة من: DW/Almakhlafi

بهادر حالة أخرى لمقيم أجنبي يعمل في السعودية، فالشاب القادم من النيبال والبالغ من العمر 23 عاما يعمل في تنظيف الغرف وأماكن الصرف الصحي في فندق خمسة نجوم، حيث ينزل الحجاج الأغنياء. " أنا سعيد جدا بالدخل الذي أتقاضاه هنا"، يقول الشاب النيبالي، الذي لا يعطي أي أهمية لموضوع الاندماج في المجتمع السعودي كما أن أحدا لم يطلب منه ذلك. يذكر هنا أن نسبة الأجانب المقيمين في السعودية مقارنة بعدد السكان تفوق مثيلتها في ألمانيا.

سألت احد السعوديين عما إذا كان عدم إجادة الكثير من العمال الوافدين للغة العربية يمثل مشكلة؟ فأجاب بالنفي وعلامات الدهشة والاستغراب في عينيه لماذا أعطي هذه الأهمية للغة بالنسبة للعمال، معتبرا أن "عدم قدرة العمال الوافدين على التواصل مع المواطنين لا يمثل أي مشكلة، كما أن الكثير من السعوديين يجيدون اللغة الإنجليزية".

التجنيس ليس مطروحا في السعودية

Alis Mekka Tagebuch
فيصل، سائق التاكسي الباكستاني: "الأجنبي في السعودية يظل أجنبيا مدى الحياة!"صورة من: DW/Almakhlafi

أما فيصل، سائق التاكسي الباكستاني، الذي نقلني إلى المطار فيجيد العربية بشكل جيد، لكن هذا بطبيعة الحال ليس شرطا للاندماج في المجتمع السعودي أو للحصول على حق الإقامة الدائمة في السعودية، كما يقول؛ "في الولايات المتحدة الأمريكية أو في أستراليا يحصل المرء على الجنسية بمجرد إقامته لمدة خمس سنوات في البلد، لكن لا يمكن الحصول على الجواز السعودي حتى لو أقام المرء وعمل في المملكة لمدة 20 عاما". وهذه من الأمور التي تنفرد بها السعودية، فالعامل الوافد يظل هكذا عاملا وافدا مدى الحياة!

والآن اقتربت من المطار وقبل أن أودع فيصل سألني عما إذا كان لدي جواز سفر ألماني، قلت له "لا"، وأردفت "ليس من السهل الحصول على الجواز الألماني، إذ يتوجب على المرء أن يعيش ويعمل ـ بطريقة شرعية ـ على الأقل ثماني سنوات في ألمانيا، كما يتوجب اجتياز اختبار الحصول على الجنسية علاوة على شرط إجادة اللغة". أبتسم فيصل فبادلته البسمة ولسان حالنا يقول:" مع ذلك يظل الأمر أسهل بكثير مما هو عليه الحال في السعودية"!

على المخلافي ـ جدة

مراجعة: يوسف بوفيجلين