1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الصفحة الأخيرة من الانسحاب الأمريكي من العراق

٩ سبتمبر ٢٠١١

العد التنازلي لمغادرة القوات الأمريكية للعراق دخل أرقامه العشرية هذا الأسبوع. وفيما بقيت الحكومة المركزية ساكتة تجاه ما يحدث أبدى إقليم كردستان اهتماما أكبر بهذا الحدث. وعواصف ربيع الثورات في المنطقة ليست بعيدة عن العراق

https://p.dw.com/p/12VyR
صورة من: picture-alliance/dpa

أخطر الجانب الأميركي رئيس الوزراء نوري المالكي بأن انسحاب القوات الأميركية من العراق قد بدأ بصفة رسمية، هذا ما سربه مسؤولون في الإدارة الأمريكية منتصف الأسبوع الجاري. البنتاغون من جانبه، شدد على أن أي قرار لم يتخذ بعد حول حجم القوات الأميركية في العراق في المستقبل، في وقت أعرب فيه أعضاء في الكونغرس عن قلقهم إزاء تقارير تشير إلى أن البيت الأبيض يسعى لإبقاء 3 آلاف عنصر فقط على الأرض.

رد الفعل العراقي جاء سريعا من رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الذي طالب ببقاء قوات أميركية في العراق بعد نهاية العام الجاري، وحذر من عواقب انسحابها في موعدها المقرر. لكن أي رد فعل لم يصدر عن الحكومة، من هنا فإن بارزاني في كلمته قد انتقد القادة السياسيين، مشيرا إلى أنهم يعبرون عن مخاوف من انسحاب القوات الأميركية في اجتماعاتهم السياسية، لكنهم يعلنون مواقف مختلفة تماما عندما يقفون أمام المايكروفون. خلاصة هذا أن الانسحاب النهائي دخل صفحته الأخيرة، فأين يقف العراقيون من هذا القرار المصيري.

Dia alShakarchi , irakischer Politiker
السياسي العلماني الليبرالي ضياء الشكرجيصورة من: Dia alShakarchi

"الباطنية السياسية"

كل الساسة العراقيين مدركون لضرورة تمديد بقاء القوات الأمريكية، المالكي من جانبه لا يريد أن يخاطر بطلب بقاء هذه القوات الأمريكية، ألا يعني ذلك أن الساسة يفضلون مصالحهم الآنية على سلامة البلد؟ السياسي العلماني الليبرالي ضياء الشكرجي شارك في حوار مجلة العراق اليوم في دويشه فيله من مدينة هامبورغ معتبرا ذلك هروبا من مواجهة الحقيقة وهروبا من مصارحة المواطن، " ويصح أن نطلق عليه "الباطنية السياسية" أي عدم وجود شفافية، وهو مؤشر خطير على مسار العملية السياسية.

ويواصل الشركجي القول: "إن المالكي كما يعرف الجميع يفضل بقاء القوات الأمريكية بأكبر من الحجم المقرر، لكنه لا يبوح بذلك علنا، بل إن الأطراف التي كانت تدعي يوما مقاومة المحتل – حسب تعبيرهم آنذاك- تريد استمرار الوجود الأمريكي الآن أكثر من المالكي والأحزاب المشاركة في السلطة. المشكلة اليوم هي المزايدة في الوطنية، ولا تعني الوطنية بالضرورة عدم وجود طرف أجنبي في البلد، فإذا كان اتفاق الجميع على ضرورة هذا الوجود، فهذا عين الوطنية، واتفق تماما مع قاله السيد بارزاني بأن هذا هو عين النفاق السياسي ".


Kassim Almurshidi
الكاتب والإعلامي قاسم المرشدي رئيس تحرير صحيفة العراق نت الالكترونيةصورة من: Kassim Almurshidi

الانسحاب الأمريكي ضرورة تسقط شماعة الساسة

شارك في الحوار أيضا الكاتب والإعلامي قاسم المرشدي رئيس تحرير صحيفة العراق نت الالكترونية وذهب إلى " أنّ الإدارة الأمريكية قد أبرمت عام 2008 اتفاقا مع الحكومة العراقية ينصّ على انسحاب القوات الأمريكية بنهاية عام 2011، وقد بدأت بتنفيذ مراحل هذا الاتفاق منذ عام 2009، فالجانب الأمريكي جاد في تنفيذ هذا الاتفاق وجاد بالتمسك بشفافية التنفيذ باعتبار الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات ديمقراطية. أما الجانب العراقي، ففي اعتقادي أن لا دولة في العراق، وهذا ما عبر عنه أكثر من سياسي عراقي وآخرهم السياسي عزت الشابندر، وفي رأيي أن جميع أطراف العملية السياسية في العراق تحاول أن تستفيد من الوجود الأمريكي لتمرر أخطاءها وفسادها الذي يعم الدولة. المشكلة في رأيي هي أن من يحكمون في العراق لم يقدروا قيمة زوال الديكتاتور والدولة البوليسية."

وذهب المرشدي في حصيلة نهائية إلى " أنّ من مصلحة العراق أن يتم الانسحاب الأمريكي، لأن السياسيين يستفيدون من بقاء هذه القوات ليجعلوها شماعة يعلقوا عليها أسباب فشلهم وفسادهم".

"ساسة العراق يتجاهلون إرادة شعبه الذي يريد وجودا أمريكيا"

وفي تطور لاحق حذر رئيس أركان سلاح البر الأميركي راي اوديرنو من إبقاء عدد كبير من الجنود الأميركيين في العراق بعد 2011 معربا عن تخوفه من أن يعطي هذا الأمر الانطباع ب"احتلال" أميركي للبلاد. وقال اوديرنو الذي كان يقود القوات الأميركية في العراق "يجب أن ننتبه إلى عدم ترك العديد من الجنود في العراق".

Flash-Galerie US-Truppenabzug aus dem Irak
باي باي أمريكاصورة من: AP

لكن مدن العراق شهدت تدهورا أمنيا ملحوظا وعودة لنشاط تنظيم القاعدة، متزامنا مع خطوات الانسحاب الأمريكي الحثيثة، رئيس منظمة حقوق الإنسان والديمقراطية حسن شعبان شارك في حوار دويتشه فيله من بغداد مشيرا إلى أن القوى السياسية في العراق ليست جاهلة بل تتعمد إهمال المصلحة الوطنية وتعمل على تحقيق مصالحها الآنية، وهي مختلفة على توزيع المناصب ولكنها ترفض الحديث عن المبرر الوطني والأخلاقي لبقاء قسم من القوات الأمريكية حفاظا على مصلحة البلد، دون أن ننسى أن هذه القوى جاءت على ظهر الدبابات الأمريكية،

وتابع شعبان قائلا إن هذه القوى تزايد في إظهار الوطنية، متجاهلة أن الشعب العراقي أكثر ذكاء منها وهو يرى أن بقاء قسم من القوات الأمريكية بعد تنفيذ الاتفاقية أمرا ضروريا لحماية الوطن في غياب المؤسسات العسكرية، وهو ما كرره مسؤولون وسياسيون في أكثر من مناسبة، بمعنى أن ساسة العراق يتجاهلون إرادة شعبه التي تريد وجودا أمريكيا "

ومضى شعبان إلى القول : " إن الانسحاب سيؤثر بشدة على الأمن لاسيما وأن قوى الردة ( التي تريد العودة بالعراق إلى ما قبل عام 2003 ) ومعهم تنظيم القاعدة وبعض دول الجوار تعمل جاهدة على إفشال التجربة الديمقراطية الوليدة، وهي تنتظر بفارغ الصبر أن يتم الانسحاب ليعبثوا بالوضع السياسي الهش أصلا ".

Ferhad Ibrahim
البروفسور فرهاد إبراهيم المتخصص في التأريخ الحديث والمعاصر في جامعة ايرفورتصورة من: dpa

العراق ومحيطه: تأثير متبادل

وعلى المستوى العربي والإقليمي، يذهب بعض المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط إلى أن التغيير الذي حدث في العراق عام 2003 هو سبب التغيير الذي يجتاح المنطقة الآن، فيما يرى فريق آخر أن المرحلة قد تغيرت وأن ما جرى في العراق كان فشلا لمشروع الرئيس الأمريكي بوش الإبن، وأن سياسة خلفه أوباما هي التي نجحت في الإيحاء بالتغيير.

البروفسور فرهاد إبراهيم المتخصص في التأريخ الحديث والمعاصر في جامعة ايرفورت، وقد كان محاضرا في جامعة دهوك ومن المقرر أن يلتحق هذا العام كأستاذ زائر في جامعة السليمانية اعترض على الرأي الأخير، مشيرا إلى أنه لا يرى استراتيجية واضحة للرئيس أوباما وإدارته في الشرق الأوسط أو في مناطق أخرى من العالم."

"فالعراق هو قلب الشرق الأوسط أو ما يسمى بآسيا الغربية"، كما يقول ابراهيم، "وبالتالي فإن الوضع في العراق يؤثر على الأوضاع في عموم المشرق العربي وفي إيران وتركيا، ولا أرى من جانبي أن الولايات المتحدة الأمريكية في طريقها للتخلي عن العراق، وإذا حصل ذلك فإن هذه سياسة خاطئة جدا، فالعراق له ثقل اقتصادي وسكاني وهو ليست دولة صغيرة مغمورة ولا يمكن تجاهل دوره المركزي بالمنطقة، والولايات المتحدة والدول الكبرى كانت وستبقى مهتمة به ".

البروفسور فرهاد إبراهيم أعاد إلى الأذهان اختلاف الظروف عام 2003 عنها في عام 2011 متسائلا : "هل كان النظام العراقي سيسقط لولا التدخل الغربي، وهل ما يجري في سوريا اليوم قريب جدا من هذا الوضع؟ " لكن البروفسور فرهاد أشار إلى أن مصادر النفط في العراق معرضة لخطر التسلط الإيراني وهو ما يهدد مصالح الغرب حتما، مؤكدا أنّ الخطر على النفط العراقي ليس المصالح الغربية قدر ما هو خطر قادم من الشرق وتحديدا من إيران".

ولفت البروفسور إبراهيم الأنظار إلى أنه" لا توجد إمكانية في الشرق الأوسط لإقامة أي تحالف عربي استراتيجي مؤثر، فالدول القوية في هذه المنطقة هي تركيا وإيران وإسرائيل، وأهم ظاهرة ظهرت خلال السنين الأخيرة هي نهاية النظام الإقليمي العربي كقوة قابلة للتحالف، ولابد أن يرى ساسة العراق عدم جدوى البحث عن حليف عربي يمكن أن يملأ الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي من العراق".

وفي مشاركة من بغداد ، ذهب المستمع نافع الركابي إلى أن الملفات المعلقة الكثيرة في العراق ستزداد تعقيدا إذا تم الانسحاب الأمريكي، والملف الأمني سيزداد تأزما، وما جاء على لسان مسعود بارزاني حقيقي ومخاوفه ممكنة الوقوع، فدول الجوار الإقليمي ستسعى لتغيير خارطة العراق ومكوناتها، وفي النهاية - وهي النقطة الأهم- فإن العراق يفتقد بشكل واضح إلى مؤسسة عسكرية قوية وقادرة على حماية حدوده بل وحتى أمنه الداخلي.

ملهم الملائكة

مراجعة: منى صالح