1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أول الكلام: الأقليات في العراق، تأريخ مأساوي

٢٥ نوفمبر ٢٠١٠

يختلف العراق عن أغلب الدول العربية في أنه يضم تنوعا إثنيا ودينيا كبيرا. ولكن الغريب أن مكونات رئيسية في نسيجه الديني والإثني تعرضت إلى ترويع وتهجير أجبرها على النزوح إلى بلدان أخرى كما نرى في التسلسل الزمني.

https://p.dw.com/p/QHly
صورة من: Picture-Alliance /dpa

تهجير اليهود من العراق -1948

سكنت الغالبية العظمى من يهود العراق المدن وكانت فئة قليلة منهم تسكن الريف وتركزت في ريف شمال العراق. سكن هؤلاء اليهود بشكل أساسي في المدن الرئيسية مثل بغداد والبصرة والموصل، لكن كان لليهود وجودا رئيسيا في العديد من المدن الأخرى مثل السليمانية والحلة والناصرية والعمارة والديوانية والعزير والكفل وأربيل وتكريت وحتى النجف التي احتوت على حي لليهود سمي بعقد اليهود (عكد اليهود) وغيرها من المدن.

تعرض اليهود في العراق إلى عملية قتل ونهب للممتلكات عرفت باسم "الفرهود " حيث قتل فيها العديد من اليهود ونهبت ممتلكاتهم في بداية الأربعينيات. وبعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 زادت الحكومة ضغوطها على اليهود العراقيين، وتعرضت عدة دور عبادة يهودية في بغداد للتفجير مما أثار حالة من الهلع بين أبناء الطائفة. وأصدرت الحكومة العراقية آنذاك قرارا سمح لليهود بالسفر بشرط إسقاط الجنسية العراقية عن المهاجرين منهم. وقد هاجرت غالبية الطائفة من العراق خلال عامي 1949 و1950 في عملية سميت عملية "عزرة ونحمية" إلى أن تم إغلاق باب الهجرة أمامهم و كان قد بقي في بداية الخمسينيات حوالي 15 آلاف يهودي في العراق من أصل حوالي 135 ألف نسمة عام 1948.

وعند وصول عبد الكريم قاسم للسلطة رفع القيود عن اليهود المتبقين في العراق و بدأت وضعيتهم تتحسن وأخذت الأمور تعود إلى طبيعتها. لكن انقلاب حزب البعث واستلامه للسلطة أعاد الاضطهاد والقيود عليهم. وفي عام 1969 أعدم عدد من التجار، معظمهم من اليهود بتهمة التجسس لإسرائيل، مما أدى إلى تسارع هجرة البقية الباقية منهم والتي شهدت ذروتها بداية السبعينيات. وبعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 كان مجموع اليهود المتبقين في العراق أقل من 100 شخص، كلهم في بغداد، والغالبية العظمى منهم من كبار السن.

تهجير الكرد الفيلية خلال القرن العشرين

يشكل الأكراد الفيليون جزءا من الشعب الكردي في العراق، وتتوزع هذه الإثنية من الناحيتين الجغرافية والسياسية على الدولتين العراقية والإيرانية. وعانى الأكراد الفيليون من حكام العراق في العهد الملكي الاضطهاد، وتعرضوا لتمييز السلطة في التعامل اليومي وواجه منهم التسفير القسري إلى إيران لمن لم يكن مرغوباً في استمرار وجوده في العراق. وكان أغلب المسفرين من العاملين في الحقل السياسي والمناهضين لسياسات النظام الملكي .

بقيام الجمهورية في الرابع عشر من تموز عام 1958 تغيرت أوضاع الفيلية في العراق حيث تعامل مؤسس الجمهورية عبد الكريم قاسم مع الأكراد الفيلية إيجابياً . وساءت أوضاع الأكراد الفيلية في فترة حكم البعث ( 1969-2003) حيث أصدرت السلطة مجموعة قرارات، تضمنت ترحيلهم إلى إيران بعد إسقاط الجنسية عنهم على شكل موجات، ابتداء من عام 1970 وانتهاء بعام 1982، فيما تواصلت أعمال الترحيل والاحتجاز الفردي بامتداد تلك المدة. إيران من جانيها اعتبرت المرحلين عراقيين ولم تمنحهم جنسيتها، فبقي أغلبهم دون هوية، محروما من أي وثيقة رسمية تثبت انتماءه.

حاول الكرد الفيلية بعد 9 نيسان 2003 استعادة جنسيتهم وانتماءهم العراقي رسميا، كما سعوا إلى استعادة أملاكهم التي صادرها نظام صدام حسين، لكن أغلب جهودهم لم تكلل بالنجاح، بسبب غياب الدولة العراقية، وضعف إداراتها، وقلة التشريعات، ووقوف أعداد كبيرة من الجهاز البيروقراطي العراقي ضد عملية تطبيع أوضاع الكرد الفيلية وإعادة حقوقهم.

تهجير وإبادة الصابئة المندائيين

سكن المندائيون العراق منذ أكثر من 2000 عام. وهم أقدم وأصغر شعوب البلد. وعاشوا على ضفاف النهرين عبر التاريخ بسلام وانسجام مع باقي أبناء العراق، لأن الأنهار مرتبطة بشكل عضوي بالمعتقدات والطقوس الدينية لديهم. قبل 9 نيسان 2003 كان عدد الصابئة في العراق يقدر بحوالي 70 ألفا، أما الآن فأفضل التقديرات تشير إلى أن عددهم تراجع إلى أقل من عشرة آلاف، بعد اضطرار غالبيتهم العظمى إلى الهجرة إلى خارج العراق، بسبب تعرضهم للقتل والتهجير والخطف في مختلف أرجاء العراق.

وقالت منظمة حماية الأقليات التي مقرها لندن في تقرير نشرته في شهر فبراير/شباط من هذا العام إن هذه الأقلية "مهددة بالزوال، لأن تعاليمها الدينية تحرم على أتباعها حمل السلاح أو ممارسة العنف، مما يجعلها هدفا سهلا لمختلف أشكال العنف". و أشار بشار السبتي أحد أبرز وجوه المندائيين إلى " أن اكبر المخاطر التي تتهدد المندائيين هو الانقراض، بسبب تسارع وتيرة إبادتهم وتهجيرهم".

وتعرض الصابئة إلى موجة عنف عام، لم تقتصر على منطقة واحدة، أو من قبل طائفة معينة. ويقول رئيس جمعية الصابئة المندائيين في الدانمارك عبد الرزاق الشمخي في مقابلة مع بي بي سي " إن العنف الذي يتعرض له الصابئة المندائيون ليس من قبل طائفة معينة أو ميليشيا معينة، بل يقوم بها متطرفون ومجرمون من الطائفتين الشيعية والسنية، بهدف تصفيتهم، وبتوجيه وعلم من قبل منظمات سياسية تتخذ من الدين غطاء لجرائمها المروعة ضد هذه الطائفة المسالمة، التي عاشت طوال السنوات الماضية جنبا إلى جنب مع إخوانها من المسلمين، شيعة وسنة".

والأمثلة على استهداف الصابئة لا تعد ولا تحصى، بل إن معابدهم لم تسلم، فالمعبد الوحيد لهم في مدينة البصرة تم تدميره من قبل مليشيا محلية أواسط 2006. وأشارت دراسة أجرتها المنظمة الألمانية للشعوب المهددة بالانقراض عام 2006 إلى أن المليشيا لم تعد تطلب من الصابئة اعتناق الإسلام أو مغادرة منازلهم في البصرة، بل لجأت إلى القتل، لأنه أقل كلفة، بعد أن مرت جرائمها السابقة دون عقاب. كما تحدثت تقارير مروعة عن إجبار العديد من أبناء الصابئة على العمل كعبيد أو الاتجار بهم في أسواق البغاء.

أما في مدينة الفلوجة، وعقب سقوط نظام صدام حسين مباشرة، فقد تمت مداهمة بيوت 35 عائلة من الصابئة،عاشت في المدينة منذ عدة قرون، واقتيد الرجال إلى إحدى الساحات العامة، وتم إجبارهم على اعتناق الإسلام، وتم أيضا ختانهم، وهو أحد المحرمات لدى الصابئة، ومن رفض ذلك تم نحره، وتم تزويج نساء الصابئة إلى مسلمين عنوة، حسبما ذكرت إحدى المنظمات المندائية المعنية بحقوق الإنسان.

وتشير الإحصاءات التي ذكرتها الرابطة الوطنية للمندائيين إلى حجم العنف والجرائم المرعبة التي تعرض لها الصابئة خلال الفترة من أكتوبر/ تشرين أول 2003 إلى مارس/ آذار 2006، ومنها مقتل 504 منهم، وخطف 118، ومغادرة 4663 عائلة العراق. وكان عدد العائلات الباقية في العراق شهر آذار/مارس من عام 2006 فقط 1162

تهجير وإبادة مسيحيي العراق

يشكل الكلدان والأشوريون أهم مكونين في مسيحيين العراق، وهاتان القوميتان هما أصل حضارات وادي الرافدين ومن أقدم الإثنيات التي سكنت المنطقة. وتعرض المسيحيون إلى موجات قتل وتهجير وترويع على مدى تاريخ العراق، وجبروا في مراحل مختلفة من التاريخ الحديث على ترك مناطق سكناهم والنزوح إلى مناطق أكثر أمنا.

واليوم يتعرض المسيحيون العراقيون إلى ملاحقة وقتل وتهجير، ويواجهون إرهابا من عناصر طائفية من الدولة، كما يواجهون إرهاب التيارات الأصولية المرتبطة بتنظيم القاعدة، ويستهدفون على وجه الخصوص في بغداد والبصرة من قبل ميلشيات شيعية مسلحة، تحاول أن تفرض عليهم إتاوات ونظام حياة يخالف تعاليم دينهم. وفي الموصل حيث تنشط العصابات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تشن حملة شرسة لإجبارهم على اعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، أو الرحيل عن العراق. وفي منطقة الدورة ببغداد، التي كانت مكانا آمنا للمسيحيين قبل 9 نيسان عام 2003، يطلب اليوم من أبناء القلة المسيحية المتبقية إشهار إسلامهم و دفع الجزية أو انتظار مصيرهم المجهول!

أما النساء المسيحيات، فقد اضطررن لارتداء الحجاب، من أجل عدم تمييزهن من قبل المتشددين أو الطائفيين. وما زالت هذه الظاهرة قائمة. وبدأت هجرة المسيحيين إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية واستراليا منذ أيام النظام السابق، لشعورهم أنهم أقلية تندثر، وشعورهم بالاضطهاد كباقي العراقيين الذين هاجروا إلى الخارج. وبالعودة إلى الإحصاء السكاني للعراق الذي أجري في1947،الذي يسود اتفاق مبدئي بين الباحثين والمتخصصين على دقته و مرجعيته العلمية، نجد أن النسبة الفعلية للمسيحيين في العراق هي 1.3%.

ملهم الملائكة

مراجعة: منى صالح